أجهزة في قبضة القانون.. من صناعة الترند مرورًا بتوجيه الرأي العام وانتهاءً بغسل الأموال
لم تعد المعارك تُدار بالكلمة والصورة فقط، بل بأدوات خفية أشبه بالأسلحة الرقمية، في الظل تنشط أجهزة وبرمجيات قادرة على تصنيع رأي عام، تضليل ملايين المستخدمين، وصناعة التريند خلال ساعات، وفي بعض الأحيان تتحول هذه الأدوات إلى غطاء لعمليات غسل أموال منظمة، حيث في مصر هذه الأجهزة ليست مجرد مخالفة تنظيمية؛ بل قد تقود أصحابها إلى اتهامات تصل إلى الاحتيال الإلكتروني وغسل الأموال.
ذباب إلكتروني وجيوش رقمية بلا ملامح
الذباب الإلكتروني أو ما يُسمّى بالكتائب الإلكترونية، مصطلح أصبح حاضرًا في ملفات سياسية وتجارية حول العالم. هذه الحسابات الوهمية، التي تُدار ببرمجيات متخصصة، تعمل على نشر التعليقات، الإعجابات، وإعادة التغريد بكثافة، لخدمة أهداف سياسية أو تجارية.
من الخليج العربي أثناء الأزمة مع قطر، إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، وصولًا إلى الحملات الموجهة حول الحرب السورية تكررت نفس الأنماط: إغراق المنصات بالمحتوى الموجَّه، تسميم النقاش العام، والتشويش على الحقائق.
كيف يُصنع التريند؟
التريند ليس دائمًا انعكاسًا طبيعيًا لاهتمام الناس، خلف بعض الوسوم الأكثر تداولًا، تعمل شبكات منظمة بطريقتين:
- التضخيم الآلي: كتائب إلكترونية ترفع التفاعل على وسم محدد عبر نشر آلاف المنشورات وإعادة نشرها.
- الخدمات المدفوعة: دفع مبالغ لمشغلي روبوتات لبرمجة حسابات على الترويج لمحتوى تجاري أو سياسي خلال فترات معينة.
وعندما يريد طرف ما إضعاف وسم معارض، يستخدم أسلوب تسميم الهاشتاغ: إغراقه بمحتوى غير ذي صلة أو بإشاعات مضادة، مما يحجب النقاش الحقيقي.
داخل مصانع التريند: الأجهزة المحظورة
- يصف خبراء التقنية مزارع الأجهزة بأنها القلب النابض للذباب الإلكتروني، وتتكون من:
- مصفوفات هواتف أو تابلت: مئات الأجهزة موضوعة في رفوف خاصة، متصلة بلوحات تحكم مركزية.
- حاسبات صغيرة أو ميني سيرفرات: تُشغّل برامج تقوم بفتح الفيديوهات أو المنشورات بشكل آلي.
- محاكيات هواتف على الحاسوب: تولد عشرات الأجهزة الافتراضية لإيهام المنصات بأن كل مشاهدة حقيقية.
- إخفاء الهوية الرقمية: عبر VPN أو بروكسي أو مزارع شرائح SIM، حتى لا تكشف المنصات مصدر المشاهدات.
هذه المنظومات لا تصنع التريند فقط، بل تحاكي التفاعل البشري، من النقر على الإعجابات إلى التعليق وحتى مشاهدة الإعلانات.
غسل الأموال تحت غطاء المشاهدات
الآلية التي يستخدمها البعض لتحويل هذه الأجهزة إلى أداة غسل أموال تتلخص في خطوات:
- شراء مشاهدات مزيفة: الدفع لمشغّل المزرعة لرفع أرقام الفيديو أو البث المباشر.
- تحويلها إلى أرباح رسمية: على منصات مثل يوتيوب أو تيك توك، تُحسب هذه المشاهدات كدخل إعلاني.
- إعادة إدخال الأموال للبنوك: تظهر الأرباح وكأنها عوائد قانونية من منصات رقمية.
- تضخيم الفواتير الإعلانية: بإضافة حملات وهمية بين شركاء متفقين، لتبرير مبالغ أكبر.
بهذه الطريقة يمكن لمبالغ ضخمة مجهولة المصدر أن تدخل الدورة المالية الشرعية.
القانون المصري: شبكة تشريعية لمحاصرة الظاهرة
رغم عدم وجود نص صريح يذكر أجهزة زيادة المشاهدات، إلا أن استخدامها قد يورط أصحابها تحت عدة قوانين:
- قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات 175 لسنة 2018: يجرّم المحتوى المضلل والاحتيال عبر الشبكات.
- قانون مكافحة غسل الأموال 80 لسنة 2002: يطبَّق إذا استُخدمت هذه الأجهزة لإخفاء مصادر أموال غير مشروعة.
- قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003: يمنع تشغيل أجهزة اتصالات أو شبكات دون ترخيص، بما في ذلك مزارع SIM أو البروكسي غير المرخّص.
- قوانين الجمارك: تمنع استيراد مثل هذه الأجهزة دون تصريح.
في الممارسة العملية، تُصنّف القضايا ضمن احتيال إلكتروني وغسل أموال، ويُحال المتورطون إلى نيابة جرائم تقنية المعلومات ونيابة الشؤون المالية والتجارية.
وبين صناعة التريند والتلاعب بالرأي العام وغسل الأموال، تبدو هذه الأجهزة أكثر من مجرد أدوات تقنية؛ إنها أسلحة في حرب معلوماتية واقتصادية تدور في الخفاء. وفي مصر، القانون يراها تهديدًا أمنيًا واقتصاديًا، ما يجعل حيازتها أو استخدامها مغامرة قد تنتهي خلف القضبان.




